مدونة حلمي العلق

المخادعة

 | مقال

المخادعة مشكلة أخلاقية خافية،قد نعيشها دون أن نوليها أهمية ،فثمة فرق بين الخداع والمكر أوما شابه المكر من أفعال.

في قصة يوسف الصديق وأخوته بيان للتفريق بين الخديعة والمكر،فأبناء يعقوب سعوا في خديعة أبيهم حينما اتهموا الذئب بأكله يوسف،والذئب من دمه براء، ولكن في المقابل يوسف الصديق كاد بإخوته حين جاءوه وهو عزيز مصر وكان كيده من توفيق الله (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ).فلقد كانوا بالخديعة ظالمين ، أما هو فقد كان أن تعاطى معهم بالحكمة التي أعانه الله عليها حين كاد له الله سبحانه وتعالى ليأخذ أخاه في دين الملك.

قد يَخدع الإنسان الآخرين من أجل غرض سيء ، وقد يكيد المؤمن لأجل أمر خير وقد يلتبس علينا الأمر في تمييز هذا عن ذاك حين لا نكون دقيقي الفهم للخديعة وما سواها ، فنظلم من استخدم الكيد الحسن ونقول بأنه قد خَدع، ونصف من استخدم الخديعة بأنه كاد كيداً حسناً.

وللخديعة وجهتان،الأولى حين يخدع المؤمن الآخرين، والثانية حين يخاف المؤمن أن يُخدع ممن حوله.في الحالة الأولى تذهب الخديعة بصاحبها نحو النفاق إن هو اعتاد على أن يكون مخادعاً للمؤمنين، والأسوأ من أن يخدع الإنسان الآخرين هو أن يخادع ربه فيستحق بذلك عاقبة صنيعه بأن يضعه الله في قائمة مرضى القلوب بل ويضيف على ذلك العقاب زيادة وتنكيلاً بأن يزيده الله مرضاً في قلبه.

الخديعة هي التي قال عنها الإمام علي(ع) " أنها من طبع اللئام"، وهي خصلة سيئة مذمومة في الأخلاق ومفسدة للدين (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) ).

أما في الثانية فتكون حين يخاف المؤمن من أن يُخدع من قبل الآخرين،وما يجب على المؤمن هو أن يكون واثقاً من ربه بأن الله هو الناصر وأنه سبحانه وتعالى من يدافع عن الذين آمنوا. فحين خشي النبي من الأسرى الذين أخذهم في الحرب من أن تتكرر خيانتهم إن هو أطلق سراحهم كان الرد الرباني على ذلك الخوف (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62))وقال سبحانه(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)).

على المؤمن أن يثق بالله وأن يعيش الاطمئنان في حياته اليومية مع الآخرين وفي تعامله مع من يخشى من مخادعتهم له، فالاطمئنان هو مظهر التوكل على الله.فلا أحد في هذه الدنيا يمتلك القدرة على أن يسلبك جلباب شعيرة إن كان الله هو حارسك ومدبر أمورك،إلا أن يشاء الله .